فصل: 3- فيم نزلت:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الواضح في علوم القرآن



.ب- التوجيهات المستفادة:

1- الاعتبار بقصة أصحاب الفيل الذين قصدوا الاعتداء على البيت الحرام فدمّرهم، وجعلهم عظة على مدى الدهر.
2- الإنعام على قريش بردّ العدو عنهم؛ ليبادروا إلى الإيمان برسالة محمد صلّى الله عليه وسلّم.
3- عجائب قدرة الله تعالى في الانتقام من أعدائه.
4- التأسيس لنبوة محمد صلّى الله عليه وسلّم بدفع العدو عن الكعبة في عام مولده الميمون.

.4- علوم القرآن في السورة:

.1- سورة الفيل مكية:

وآياتها القصار، وموضوعها التذكير بقصة أصحاب الفيل، كل ذلك يؤكد أنها نزلت قبل الهجرة، وأنها من السور المتفق على أنها مكّية.

.2- وهي قصة من قصص القرآن:

التي أورد فيها أخبارا واقعية من أحوال الماضين للاعتبار بها، وإثبات صدق محمد صلّى الله عليه وسلّم فيما أخبر به عن ربّه، والهداية إلى الله تعالى، وقد عرض القرآن قصة أصحاب الفيل عرضا موجزا، ولكنّه كاف في تصوير الحادثة من أولها إلى منتهاها، مع الاحتفاظ بالنظم البياني المعجز، وتحقّق مواصفات القصة الفنية: من المطلع المشوّق، إلى التفصيل في طريقة إهلاك أصحاب الفيل، وختمها بتدميرهم عن آخرهم.

.3- القراءات في السورة:

1- {عَلَيْهِمْ} [الفيل: 3].
- قرأ حمزة ويعقوب، ووافقهما الأعمش: {عليهم}.
- وقرأ الباقون: {عليهم}.
2- {تَرْمِيهِمْ} [الفيل: 4].
- قرأ يعقوب: {ترميهم}.
- قرأ الباقون: {ترميهم}.

.4- الإعجاز والبلاغة:

الإعجاز ظاهر في نظم الآيات، وفي توافق فواصلها في الحرف الأخير، حرف (ل)، وفيها من البلاغة:
أ- {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ}.. الاستفهام تقريري. وفيه تعجب.
ب- {فَعَلَ رَبُّكَ} إشادة بقدرة الله تعالى، وكاف الخطاب في: {رَبُّكَ} تشريف للنبي صلّى الله عليه وسلّم.
ج- {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} فيه تشبيه مرسل، إذ ذكرت الأداة، وحذف وجه الشبه.

.سادسا- من أمثال القرآن: الانسلاخ من آيات الله:

.تمهيد:

شبّه الله سبحانه من آتاه كتابه، وعلّمه العلم الذي منعه غيره، فترك العمل به، واتّبع هواه، وآثر سخط الله على رضاه، ودنياه على آخرته، والمخلوق على الخالق، بالكلب الذي هو من أخبث الحيوانات وأوضعها قدرا وأخسّها نفسا، وهمته لا تتعدّى بطنه، وأشدها شرها وحرصا.
قال الله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف: 175- 176].

.1- شرح المفردات:

{انسلخ منها}: كفر بها، وانخلع منها.
{فأتبعه الشيطان}: لحقه فأدركه واستحوذ عليه.
{الغاوين}: الهالكين الحائرين.
{أخلد إلى الأرض}: ركن إلى الدنيا ورغب فيها وآثرها على الآخرة.
{إن تحمل عليه}: تطرده.
{يلهث}: لهث الكلب يلهث لهثا ولهاثا؛ إذا أخرج لسانه في التنفس، واللهث طبيعة فيه.

.2- المعنى الإجمالي:

اقرأ يا محمد! على قومك خبر الرجل الذي أعطيناه آياتنا تحمل الأدلة والهداية، فتركها وانخلع منها، ولحق به الشيطان فأدركه وصار له تابعا وقرينا، فكان من الضّالّين الهالكين ولو شاء الله لرفعه بالآيات إلى سعادة الدنيا ونعيم الآخرة، ولكنه مال إلى شهوات الدنيا، والتصق بملذاتها، وترك حكم عقله ووحي ربّه، واتبع هواه ورغباته، فصار مثله كالكلب في اللهث الدائم، والتبعية للشيطان، والعبودية للدنيا. فاقصص القصص واضرب الأمثال لعلّ الناس يرجعون إلى الحق الثابت الأبلج.

.3- فيم نزلت:

ذكر المفسرون ثلاثة رجال نزلت في واحد منهم، وهم:
- بلعام بن باعوراء، وكان على زمن موسى عليه السلام.
- أبو عامر النعمان بن صيفي الراهب.
- أمية بن أبي الصّلت الثقفي.
والأقرب أنها نزلت في أمية بن أبي الصلت- كما نقل عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- إذ هو الذي وصل إليه علم كثير من علم الشرائع المتقدمة، ولكنه لم ينتفع بعلمه، وجاء في بعض الأحاديث: «أنه ممن آمن لسانه ولم يؤمن قلبه».
ومن شعره:
كلّ دين يوم القيامة عند الله ** إلا دين الحنيفية، زور

ورغم ذلك، فقد ناصر المشركين، ورثى قتلاهم ببدر.

.4- الأحكام والتوجيهات المستفادة:

.أ- الأحكام:

.1- (خطورة الانسلاخ من آيات الهداية والاستقامة:)

ضرب المثل للخطر الناجم عن الانسلاخ من آيات الهداية والاستقامة، مع توافر العقل، ووجود العلم، وذلك بسبب العبودية للشهوات، أو تسلط شياطين الإنس والجن عليه، وقد صور الرسول صلّى الله عليه وسلّم هذا النكوص الذي يصيب بعض الناس فقال: «إن مما أتخوّف عليكم رجل قرأ القرآن، حتى إذا رئيت بهجته عليه- وكان ردء الإسلام أعزّه إلى ما شاء الله- انسلخ منه، ونبذه وراء ظهره، وسعى على جاره بالسيف، ورماه بالشرك. قال- حذيفة بن اليمان رضي الله عنه-: يا نبيّ الله! أيهما أولى بالشرك: المرمي أو الرامي؟ قال: بل الرامي».

.2- الرفعة عند الله تعالى والهداية بيده سبحانه:

وذلك بالتوفيق إلى العمل الصالح، وسدّ منافذ الشيطان، وإقفال أبواب الشهوات والملذات، والابتعاد عن رفاق السوء، والاعتياد على الأفعال الحميدة.

.3- من أشد الآيات على أصحاب العلم:

الذين لا يعملون بعلمهم، فيحرمون بركة العلم وأجر العمل، ويكون بعدهم عن الله عظيما وعقابهم أليما، إنهم علماء السوء.

.ب- التوجيهات المستفادة:

1- عظم هذا الخبر الذي أمر الرسول صلّى الله عليه وسلّم بتلاوته والتذكير بخطورته.
2- التحذير من اتباع الهوى والركون إلى شهوات الدنيا.
3- من الانسلاخ ترك تلاوة القرآن والعمل بأحكامه.
4- خطر النكوص من الخير إلى الشر في تربية النفوس والصعود بها إلى معارج الكمال والخير.
5- الدعوة إلى إعمال العقل بالتفكر والتأمل.
6- أهمية ضرب الأمثال في كتاب الله تعالى.

.5- علوم القرآن في الآيات:

.1- الآيات مكية:

لأن سورة الأعراف من أطول السور المكية، وفيها تقرير لعقيدة التوحيد والبعث والجزاء والوحي والرسالة، كما عرضت للتفصيل في قصص الأنبياء.

.2- من أمثال القرآن الملفتة والمؤثرة:

وقد عبّر ابن قتيبة عن هذا التمثيل المعجز، فقال: (كل شيء يلهث فإنما يلهث من إعياء أو عطش إلا الكلب فإنه يلهث في حال الكلال وحال الراحة، وحال المرض، وحال الصحة، وحال الرّيّ، وحال العطش، فضربه الله مثلا لمن كذّب بآياته، فقال: إن وعظته ضلّ، وإن تركته ضلّ، فهو كالكلب إن تركته لهث، وإن طردته لهث).
وهكذا يسهم المثل في ظهور الحق المراد، والعظة المقصودة، لتأنس النفوس وتسرع بالقبول والانقياد.

.3- الإعجاز والبلاغة:

الآيات ظاهرة الإعجاز في نظمها البيانيّ وفي فواصلها، وفي مضمونها، وأظهر ما فيها هذا التمثيل الرائع الذي يجمع بين تطابق الفكرة وجمال التصوير، وفيها من البلاغة:
- التشبيه التمثيلي في قوله تعالى: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} شبّه حال الذي يكفر بآيات الله ويلتصق بأهوائه وشهواته، بحال الكلب في دوام لهثه؛ لأنّ اللهث طبيعة خلقية في جميع حالاته. ومن المعلوم أن التشبيه التمثيلي يكون في حالة انتزاع الصورة من متعدد.

.سابعا- من أقسام القرآن: الاستدلال على الله الخالق المبدع:

.تمهيد:

قال الحافظ ابن القيّم في كتابه (التبيان في أقسام القرآن):
تضمنت الآيات القسم بالخالق والمخلوق، فأقسم بالسماء وبانيها، والأرض وطاحيها، والنفس ومسوّيها. وقد قيل: إن (ما) مصدرية، فيكون الإقسام بنفس فعله تعالى، فيكون قد أقسم بالمصنوع الدّالّ عليه وبصنعته الدّالّة على كمال علمه وقدرته وحكمته وتوحيده...
قال الله تعالى: {وَالشَّمْسِ وَضُحاها (1) وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها (2) وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها (3) وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها (4) وَالسَّماءِ وَما بَناها (5) وَالْأَرْضِ وَما طَحاها (6) وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها (7) فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها (9) وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها} [الشمس: 1- 10].

.1- شرح المفردات:

{والشمس وضحاها}: يقسم الله بالشمس وضوئها إذا أشرقت صباحا وتم ضياؤها في وقت الضحى.
{والقمر إذا تلاها}: تبعها في الإضاءة بعد غروبها.
{والنهار إذا جلّاها}: أظهر الشمس للراءين.
{والليل إذا يغشاها}: يغطّيها ويسترها بظلمته.
{والأرض وما طحاها}: بسطها ووطّأها، وجعلها صالحة للحياة والعمران والزراعة.
{ونفس وما سوّاها}: جعلها متناسبة الأعضاء، وخلقها سويّة مستقيمة على الفطرة السليمة.
{فألهمها فجورها وتقواها}: عرّفها معصيتها وطاعتها، وأفهمها حالهما، وما فيهما من الحسن والقبح.
{قد أفلح من زكاها}: طهّرها بالطاعة وعمل البر واصطناع المعروف.
{وقد خاب من دساها}: خسر من أضلها وأغواها.

.2- المعنى الإجمالي:

يقسم الله تعالى بالشمس وبضوئها وحرّها في وقت الضحى، وهما مصدر الحياة والحركة للأحياء؛ كما أقسم بالقمر الذي يتلو الشمس ويستمدّ نوره بالليل منها، وبالليل والنهار، وبالسماء وما فيها من عوالم مبنية بتقدير وإحكام، وبالأرض المنبسطة للنظر مع كرويتها واستقرارها، وبالنفس التي خلقها بإحكام وسوّاها تامّة، وألهمها الفطرة السوية، وزوّدها العقل المميز، ومنحها حرية الاختيار.

.3- من المأثور:

روى البخاري ومسلم عن جابر رضي الله عنه، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لمعاذ رضي الله عنه: «هلّا صليت بـ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}، {وَالشَّمْسِ وَضُحاها}، {وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى}».

.4- الأحكام والتوجيهات المستفادة:

.أ- الأحكام:

1- يقسم الله تعالى بسبعة أشياء من مخلوقاته، وهي: الشمس والقمر، والنهار، والليل، والسماء، والأرض، والنفس. وله سبحانه أن يقسم بما شاء من مخلوقاته، أما العبد المخلوق فلا يقسم إلا بالله: «من كان حالفا فليحلف بالله» وكانت قريش تحلف بآبائها فقال: «لا تحلفوا بآبائكم» والحكمة من الإقسام بهذه الأشياء السبعة: بيان ما فيها من عجائب الصنعة الإلهية الدّالّة على الله تعالى وما فيها من منافع للحياة والأحياء.
2- فلاح من زكّى نفسه، وخيبة من دسّاها، وقد وردت أقوال التابعين والعلماء في إسناد الأمر للإنسان، فقال الحسن البصري وقتادة: قد أفلح من زكّى نفسه وحملها على طاعة الله، وقد خاب من أهلكها وحملها على معصية الله.
وقال ابن قتيبة: يريد: أفلح من زكّى نفسه، أي: نمّاها وأعلاها بالطاعة والبر والصدقة واصطناع المعروف. وقد خاب من دساها، أي نقصها وأخفاها بترك عمل البر وركوب المعاصي.
كما رجّح الإمام ابن القيم هذا الفهم وصحّحه لثلاثة وجوه:
أ- تعليق الفلاح على فعل العبد واختياره، كما هي طريقة القرآن.
ب- إثبات فعل العبد وكسبه، وما يثاب وما يعاقب عليه.
ج- إن العبد إذا زكّى نفسه أو دسّاها؛ فإنما يزكيها بعد تزكية الله لها بتوفيقه وإعانته، وإنما يدسيها بعد تدسية الله لها بخذلانه والتخلية بينه وبين نفسه.
3- من أدعية النبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
عن زيد بن أرقم رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «اللهم آت نفسي تقواها، وزكّها أنت خير من زكّاها، أنت وليّها ومولاها، اللهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، وعلم لا ينفع، ودعوة لا يستجاب لها».